في تحرك سياسي لافت قد يعيد رسم ملامح السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداده لمنح المملكة العربية السعودية برنامجًا نوويًا سلميًا دون ربط ذلك بشرط التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يمثل تحولًا ملحوظًا عن نهج إدارة الرئيس جو بايدن، التي جعلت من التطبيع جزءًا أساسيًا من معادلة التعاون الاستراتيجي الثلاثي في المنطقة.
السعودية والطموح النووي السلمي
لطالما عبّرت السعودية عن رغبتها في امتلاك برنامج نووي سلمي لأغراض مدنية، مثل توليد الكهرباء وتحلية المياه، ضمن خططها الطموحة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط في إطار رؤية 2030. غير أن الشروط الأميركية، لا سيما المتعلقة بالضمانات الدولية وتقييد عمليات التخصيب، ظلت عقبة في طريق تنفيذ هذا المشروع.
إدارة بايدن سعت إلى ربط هذا التعاون النووي بمطالب سياسية، من أبرزها تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل، في إطار مشروع تحالف إقليمي يهدف إلى احتواء إيران وتوسيع دائرة اتفاقات أبراهام. لكن هذا الربط قوبل بتحفظ سعودي، خاصة مع تعثر مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ورفض الرياض التخلي عن مطلب إقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع.
ترامب ونهجه البراغماتي
في المقابل، يظهر دونالد ترامب توجهًا أكثر براغماتية، يركّز على المصالح الاستراتيجية الأميركية طويلة المدى، مثل تعزيز الشراكة الأمنية مع السعودية، واحتواء إيران، دون فرض أجندة تطبيعية على المملكة. وإذا تمسك ترامب بهذا الموقف في حال عودته إلى الرئاسة، فقد تنال السعودية الدعم لتطوير برنامج نووي سلمي أميركي التقنية، وفقًا للضوابط الدولية، ولكن دون اشتراط التطبيع مع إسرائيل.
هذا التوجه قد يلقى قبولًا في الرياض، التي تسعى لتطوير قدراتها في مجال الطاقة النووية، لكنها لا تريد دفع كلفة سياسية داخلية أو عربية نتيجة خطوات تطبيعية لا تحظى بقبول شعبي واسع.
السيناريوهات والتداعيات المحتملة
إذا تم إقرار اتفاق نووي سعودي–أميركي في ظل إدارة ترامب دون شرط التطبيع، فقد نشهد:
تقدمًا سريعًا في مشاريع المفاعلات النووية السلمية السعودية.
تقليل الضغوط الأميركية على السعودية في ملف التطبيع، مما يمنح المملكة مرونة أكبر في إدارة علاقاتها الإقليمية.
انزعاجًا إسرائيليًا محتملًا من تجاوز واشنطن مصالح تل أبيب الأمنية، خصوصًا إذا لم يُضمن الاتفاق قيودًا صارمة على التخصيب.
إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية على أساس المصالح الثنائية بدلًا من الصيغ الجماعية.
خاتمة
يبقى السؤال: هل يمثل موقف ترامب مجرد وعد لكسب تأييد خليجي، أم أنه توجه استراتيجي حقيقي؟ ما هو مؤكد أن السعودية باتت لاعبًا محوريًا في معادلات السياسة والطاقة في العالم، ولن يكون من السهل تجاهل مصالحها أو فرض شروط أحادية عليها، سواء في ظل إدارة جمهورية أو ديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا رأيك