بواسطة eVe
في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات مظلمة من التاريخ الأمريكي، تحوّلت شوارع لوس أنجلوس مؤخرًا إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين المتظاهرين وقوات الأمن، ليتطور المشهد إلى نزول الحرس الوطني بتوجيه مباشر من الرئيس ترامب. ما بدأ كموجة احتجاجات على مداهمات نفذتها سلطات الهجرة (ICE)، سرعان ما انقلب إلى أزمة دستورية واجتماعية تهدد بتفكيك أسس العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، بل وتمس جوهر الديمقراطية الأمريكية.
جذور الانفجار: أكثر من مجرد احتجاج
رغم أن المداهمات التي نفذتها قوات ICE في السادس من يونيو كانت الشرارة المباشرة، إلا أن خلف هذه الأحداث تراكمات من الغضب الشعبي، خصوصًا بين المجتمعات اللاتينية والمهاجرين. سنوات من السياسات الفيدرالية المتشددة تجاه الهجرة، مصحوبة بتصريحات عدائية من الإدارة الأمريكية، خلقت بيئة محتقنة قابلة للاشتعال.
ما نشهده اليوم ليس احتجاجًا على حادثة معزولة، بل ثورة ضد ما يُنظر إليه كمنظومة قمعية ممنهجة تستهدف فئات بعينها من المجتمع. الغضب في الشارع حقيقي، عميق، ومتجذر.
التدخل العسكري: كسر للفيدرالية أم حماية للنظام؟
في خطوة صادمة، أمر الرئيس ترامب بنشر 2000 جندي من الحرس الوطني في لوس أنجلوس، دون موافقة من حاكم الولاية أو عمدة المدينة. هذا القرار، الذي يعد سابقة نادرة منذ أكثر من نصف قرن، أثار موجة استنكار واسعة، أبرزها من حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، الذي وصف الخطوة بأنها “غير قانونية” و”انتهاك صارخ لسيادة الولاية”.
من الناحية القانونية، يستند ترامب إلى صلاحيات تنفيذية تسمح بحماية الممتلكات الفيدرالية، لكن من الناحية السياسية والدستورية، ما حدث يُعد انقلابًا ناعمًا على مبدأ الفدرالية الذي قامت عليه الولايات المتحدة.
السياسة فوق القانون
لا يخفى على أحد أن الرئيس ترامب يسعى لتكريس صورة “الرجل القوي” القادر على فرض النظام بالقوة. نشر القوات قد يُنظر إليه كرسالة انتخابية إلى قاعدته: لا تهاون مع “الفوضى”. لكنه في الوقت ذاته، يدفع البلاد نحو صدام داخلي خطير، تتقاطع فيه الخلافات السياسية مع الشارع الغاضب.
من جهته، يظهر نيوسوم كقائد محلي يحاول الدفاع عن حقوق ولايته في وجه المركزية المفرطة، بينما تجد السلطات المحلية نفسها عاجزة عن احتواء الموقف بين مطرقة المحتجين وسندان الجيش.
أبعاد اجتماعية مقلقة
ما يثير القلق ليس فقط النزاع السياسي، بل ما يكشفه من تصدعات اجتماعية عميقة:
فقدان الثقة بالمؤسسات: كثير من المتظاهرين يرون أن القانون لا يحميهم، بل يستخدم ضدهم.
شيطنة المجتمعات اللاتينية: الخطاب الإعلامي الرسمي يصور المحتجين على أنهم “مخربون”، في تجاهل تام لأسباب احتجاجهم.
عسكرة الحياة المدنية: تحويل المدن إلى ثكنات عسكرية لا يُطمئن المواطن، بل يعمّق الشعور بالعزلة والقمع.
التاريخ يعيد نفسه… وربما بأسوأ
لمن يتابع المشهد الأمريكي منذ عقود، لا يمكن إلا أن يتذكر أحداث 1992 في لوس أنجلوس، حين انفجر الغضب الشعبي بعد تبرئة الشرطة من تعذيب رودني كينغ. المشهد يتكرر اليوم، ولكن في سياق أشد تعقيدًا، وأكثر تهديدًا:
رئيس يتحدى السلطة القضائية والمحلية علنًا.
جيش في الشارع يواجه مواطنين غير مسلحين.
خطاب قومي محافظ يدفع بالبلاد نحو الانقسام.
ما التالي؟ خيارات صعبة ومصير معلّق
المشهد مفتوح على ثلاثة سيناريوهات:
تهدئة مشروطة بانسحاب القوات وفتح قنوات حوار حقيقية.
تصعيد أكبر يقود إلى احتجاجات وطنية قد تشمل مدنًا أخرى.
أزمة دستورية شاملة إذا قررت كاليفورنيا اللجوء للمحكمة العليا للطعن في صلاحيات الرئيس.
أيًا يكن السيناريو، فإن ما جرى في لوس أنجلوس لن يُنسى سريعًا. لقد كُسر حاجز رمزي خطير: استخدام الجيش ضد أبناء الوطن.
الولايات المتحدة تُختبر اليوم من الداخل. ليس فقط في قدرتها على حفظ النظام، بل في قدرتها على احترام القانون، والتنوع، والحقوق الأساسية للمواطنين.
إذا أصبح التعبير عن الرأي خطرًا، وإذا تحولت الأحياء المدنية إلى مناطق عسكرية، وإذا بات الرئيس يتجاوز سلطات الولايات دون محاسبة، فإن السؤال لم يعد ما إذا كانت أمريكا قوية، بل ما إذا كانت لا تزال ديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا رأيك